
من تهميش العقول إلى تمكينها… سوريا تحتضن أول قمة للذكاء الاصطناعي

في لحظة وصفت بأنها بداية جديدة لسوريا الرقمية، انطلقت فعاليات قمة "2025 AI-SYRIA" في العاصمة دمشق يوم أمس الثلاثاء، تحت رعاية وزارة الاتصالات والتقانة، لتجمع خبراء ومؤسسات من داخل البلاد وخارجها، وتفتح آفاقًا واسعة أمام الشباب السوري في مجال الذكاء الاصطناعي.
مؤتمر بطموحات تتجاوز الواقع
على مدار يومين، يستضيف المؤتمر الذي ينظمه الاتحاد العربي للإنترنت والاتصالات بالتعاون مع الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، نخبة من المتخصصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي من سوريا وعدة دول عربية وأجنبية.
الحدث لا يقتصر على كونه منصة علمية، بل يحمل أبعادًا اقتصادية وتنموية. يناقش المؤتمر مساهمة الذكاء الاصطناعي في دعم الاقتصاد السوري، ويستعرض تأثيره على منظومة الابتكار وريادة الأعمال، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى قفزة نوعية في البنية التكنولوجية.
جلسات تمس صميم التحول الرقمي
الموضوعات المطروحة ضمن الجلسات الرئيسية تغطي طيفًا واسعًا من التحديات والفرص، مثل "دور الذكاء الاصطناعي في التنمية من الاقتصاد إلى المجتمع"، "البنى التحتية الذكية"، "سياسات وتشريعات الابتكار"، إضافة إلى ملف حيوي بعنوان "فرص وتحديات التحولات التكنولوجية".
المؤتمر، الذي جمع باحثين وأكاديميين ومطورين وطلابًا، يعكس حراكًا واضحًا لإعادة تموضع سوريا على خريطة التكنولوجيا في المنطقة.
هدف طموح: خلق عشرات الآلاف من فرص العمل
في تصريح لوكالة الأناضول، أوضح وزير الاتصالات السوري "عبد السلام هيكل"، أن المؤتمر يمثل نقطة انطلاق حقيقية نحو تحويل سوريا إلى مركز إقليمي للإنترنت والاتصالات، من خلال تطوير البنية التحتية وربط البلاد بمحاور العالم الرقمي.
وأضاف: "نحن نعيد تموضع سوريا في المشهد التكنولوجي، ونعمل على تأسيس منظومة تدعم المواطنين وتوفر فرصًا جديدة لعشرات الآلاف من الشباب".
إشارات تعافي… وشركات عالمية حاضرة
رئيس الاتحاد العربي للإنترنت والاتصالات "فراس بكور"، أشار إلى أن المؤتمر يمثل تحوّلًا نوعيًا في المشهد التكنولوجي السوري، كاشفًا عن تسجيل أكثر من 1200 شخص خلال 4 أيام فقط، مما يعكس رغبة المجتمع في الانخراط في ثورة الذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن الحدث استقطب شركات من الأردن ولبنان ومصر والإمارات، بالإضافة إلى ممثلين عن نحو 50 شركة دولية، منها صينية وأمريكية، ما يدل على ثقة متزايدة في البيئة الاستثمارية والتقنية السورية.
دعم مباشر للمواهب الشابة
أكد "بكور" أن أحد الأهداف الرئيسية للقمة هو توجيه الشباب نحو المجالات التكنولوجية المستقبلية، لا سيما الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن "هناك طاقات كامنة كثيرة في سوريا، ونحن نعمل على توفير البيئة المناسبة لتفجير هذه الإمكانات".
في السياق ذاته، قال "محمد مدفع"، مستشار الذكاء الاصطناعي في شركة "تراديونس"، إن ما شاهده في المؤتمر فاق توقعاته. وأضاف: "مثل هذه المنصات تمنح السوريين الفرصة للتواصل، تبادل المعرفة، وخلق مشاريع مشتركة تعكس قدراتهم الحقيقية".
تجدر الإشارة إلى أن القمة السورية تتزامن مع تحولات عالمية متسارعة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. فبحسب تقرير "ماكنزي 2024"، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في إضافة ما يصل إلى 4.4 تريليون دولار سنويًا للاقتصاد العالمي، ما يعزز أهمية مثل هذه المؤتمرات كوسيلة للحاق بركب الابتكار العالمي.
بداية مرحلة جديدة
بعد سنوات من التهميش، يبدو أن العقول السورية بدأت تجد المساحة المناسبة لتثبت حضورها في الساحة التقنية. لذلك فإن "2025 AI-SYRIA" أكثر من مجرد مؤتمر، بل إشارة واضحة أن بوابة سوريا نحو المستقبل قد فُتحت… والأهم أنها بقيادة شبابها ومبدعيها، كما يأمل الكثيرون.