المنحة القطرية لتمويل الرواتب في سوريا… إليكم كامل التفاصيل

أعلنت الحكومة السورية عن تلقيها منحة مالية من دولة قطر بقيمة 87 مليون دولار، تُقسّم على ثلاثة أشهر قابلة للتجديد. وتهدف المنحة إلى تمويل نحو 20% من إجمالي الرواتب الحكومية، في محاولة لتخفيف الأعباء على الموازنة العامة في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.

وصرّح وزير المالية السوري، "محمد يُسر برنية"، أن هذه المبالغ ستُخصص لدفع رواتب العاملين في قطاعات حيوية تشمل الصحة، التعليم، الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى المتقاعدين المدنيين. وأكد الوزير أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة الإصلاح المالي الهادفة إلى تعزيز الشفافية والثقة في النظام المالي الوطني.

إدارة المنحة واستثناء نادر من العقوبات

المنحة القطرية ستُدار من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، في إطار اتفاق تم التوصل إليه بعد الحصول على استثناء خاص من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. وأشار "برنية" إلى أن هذه الخطوة "تشكل بارقة أمل" نحو تخفيف المزيد من القيود الدولية، التي تقيّد إمكانية تحريك الاقتصاد السوري.

الاقتصاد السوري تحت ضغط العقوبات والصراع

يمر الاقتصاد السوري بواحدة من أسوأ أزماته منذ الاستقلال، نتيجة 14 عاماً من الحرب والعقوبات الدولية. ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما يواجه الملايين منهم انعدام الأمن الغذائي.

ومنذ عام 2018، أعاد البنك الدولي تصنيف سوريا كدولة ذات دخل منخفض، بعد أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% بين عامي 2010 و2020. وتسببت العقوبات الغربية في عزل البلاد مالياً، ما أدى إلى صعوبات في الاستيراد، انخفاض الصادرات، وتقلص التحويلات المالية الخارجية.

تقارير أممية: العقوبات تعرقل التعافي

أفاد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فبراير 2025 أن العقوبات "ساهمت في تعميق العزلة الاقتصادية"، مشيراً إلى أن تخفيف هذه القيود سيكون ضرورياً لتعزيز التعافي الاقتصادي وبناء السلام المستدام في سوريا.

تطورات تدريجية في ملف العقوبات

شهدت الأشهر الماضية تحركات دبلوماسية نحو تخفيف تدريجي للعقوبات الغربية. ففي الشهر الماضي، أصدرت الإدارة الأميركية ترخيصاً مؤقتاً يتيح إجراء معاملات مع بعض المؤسسات الحكومية السورية، بما في ذلك السماح ببيع الطاقة. كما علّق الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات المفروضة على قطاعات مصرفية وطاقوية، في خطوة اعتُبرت تمهيداً لتطبيع جزئي.

كذلك، أعلنت المملكة المتحدة شطب مصرف سوريا المركزي و23 كياناً اقتصادياً من قوائم العقوبات، ما يعزز المؤشرات على إمكانية العودة الجزئية للتعامل المالي مع سوريا.

رؤية سياسية جديدة تطالب برفع العقوبات

من جانبها، تطالب الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس "أحمد الشرع"، برفع العقوبات بالكامل، مستندةً إلى تغير المشهد السياسي في البلاد وسقوط النظام السابق. وتعتبر هذه الحكومة أن العقوبات لم تعد مبررة قانونياً أو إنسانياً، في ظل التحولات الجارية داخلياً.

دلالات سياسية وراء المنحة القطرية

لا يمكن فصل المنحة القطرية عن السياق السياسي الإقليمي. قطر، التي طالما لعبت دوراً فاعلاً في الملفات الإقليمية، تبدو وكأنها تسعى الآن إلى إعادة التموضع في الملف السوري، خاصة في ظل انفتاح بعض الدول العربية والغربية بشكل تدريجي على دمشق.

كما أن إدارة المنحة من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) يُعتبر تطوراً بالغ الأهمية، لأنه يضمن رقابة دولية على توزيع الأموال، ويُقلل من فرص الفساد أو التسييس الداخلي للتمويل. ويعكس هذا التعاون أيضاً إجماعاً دولياً على ضرورة دعم الاستقرار المعيشي في سوريا، بعيداً عن الاعتبارات السياسية الضيقة.

تحديات الاستدامة بعد انتهاء المنحة

رغم أهمية المنحة، فإنها تُسلّط الضوء على غياب حلول جذرية لمعالجة أزمة الرواتب في سوريا. فبعد انتهاء الأشهر الثلاثة، ستعود الدولة إلى مواجهة العجز مجدداً ما لم تتوفر مصادر تمويل مستقرة أو يتم إطلاق برامج إصلاح اقتصادي فعلي.

وتبرز الحاجة إلى دعم طويل الأمد يشمل إعادة هيكلة الإنفاق العام، وتحسين كفاءة إدارة الموارد، وتطوير بيئة الاستثمار. هذه الخطوات قد تكون أكثر أهمية من المعونات المؤقتة، بحسب خبراء اقتصاديين.

ويشير الاتجاه الدولي مؤخراً إلى تفضيل تمويل البرامج عبر قنوات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لضمان الشفافية. وقد يؤدي نجاح هذه المنحة إلى فتح الباب أمام المزيد من المساهمات المماثلة من دول أخرى، في حال أظهرت النتائج فاعلية ملموسة في تحسين الظروف المعيشية للسكان.