
شركات على الطريق: 500 مشروع جديد في سوريا منذ بداية 2025

استقبلت سوريا منذ مطلع عام 2025 نحو 500 طلب لتأسيس شركات جديدة في قطاعات متنوعة، في مؤشر واضح على وجود حراك اقتصادي متنامٍ وتفاؤل نسبي في الأوساط الاستثمارية، تزامناً مع خطوات دولية جادة لتخفيف العقوبات المفروضة على البلاد. وتأتي هذه التطورات في وقت حساس تشهده سوريا، التي لا تزال تسعى للخروج من آثار الحرب الطويلة وبناء اقتصاد متماسك ومستقر.
بيئة واعدة رغم التحديات
وزير الاقتصاد والصناعة السوري "محمد نضال الشعار" أشار إلى أن سوريا تتمتع بفرص استثمارية واعدة في مجالات عدة، تشمل القطاع الصناعي، والتجاري، والخدمي، إضافة إلى الطاقة والبنية التحتية. ولفت إلى أهمية استغلال هذه الفرص من خلال توفير بيئة تشريعية وتنظيمية مناسبة، مؤكداً أن البلاد بحاجة ملحة إلى تطوير البنية التحتية القانونية والمؤسساتية الداعمة للاستثمار، لتشجيع رجال الأعمال المحليين والدوليين على الانخراط في السوق السوري.
وأوضح "الشعار" أن الوزارة تعمل حالياً بالتعاون مع عدد من الوزارات الأخرى على تعديل قانون الاستثمار، إضافة إلى مراجعة حزمة من القوانين المرتبطة بالبيئة الاقتصادية. الهدف من هذه التعديلات هو تعزيز القدرة التنافسية وتحقيق مستويات أعلى من الجودة والإنتاجية، بما يسهم في جذب المستثمرين ويوفر مناخ عمل أكثر استقراراً.
آثار مرتقبة لرفع العقوبات
في السياق ذاته، أكد "الشعار" أن التخفيف التدريجي للعقوبات الأميركية والأوروبية سيفتح الباب أمام تحولات اقتصادية مهمة. أبرز هذه التحولات تتمثل في تسهيل عمليات التحويل المالي الخارجي، وتحسين القدرة على استيراد المواد الأساسية، إضافة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية التي تتطلع للاستثمار في مشاريع إنتاجية وتنموية داخل سوريا.
وكانت الإدارة الأميركية، برئاسة "دونالد ترمب"، قد أصدرت نهاية الأسبوع الماضي سلسلة قرارات تمثل خطوة فعلية باتجاه رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا. وجاءت هذه الإجراءات متوافقة مع إعلان "ترمب" خلال جولته الخليجية الأخيرة، والتي تحدث فيها عن "ضرورة دعم الدول التي تمر بمرحلة إعادة إعمار".
على الجانب الأوروبي، أعلن الاتحاد الأوروبي في الأسبوع ذاته عن رفع مجموعة من العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، وأكد عزمه المساهمة في جهود "التعافي المبكر" والبنية التحتية الأساسية، إلى جانب دعم عمليات إعادة الإعمار التي ستتطلب جهوداً دولية منسقة، وفق ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط وموقع "الاقتصادية".
حرب طويلة وخسائر فادحة
رغم هذه الإشارات الإيجابية، لا تزال سوريا تواجه تحديات اقتصادية جسيمة ناجمة عن الحرب التي استمرت لنحو 14 عاماً، وأثرت على مختلف القطاعات. وتُقدّر الأمم المتحدة إجمالي الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الحرب بما يزيد عن 800 مليار دولار، وهي خسائر تفوق قدرات الدولة منفردة على التعافي منها، مما يفسر سعيها لاستقطاب دعم خارجي واسع.
ويعاني الاقتصاد السوري أيضاً من ضعف في البنية التحتية، وارتفاع معدلات البطالة، ونقص في المواد الأساسية، إلى جانب تدهور القدرة الشرائية للسكان. ومن هنا، تُعد عودة الشركات إلى السوق السورية بمثابة بارقة أمل لتحريك عجلة الاقتصاد، وخلق فرص عمل، وإعادة تشغيل المصانع والمؤسسات الإنتاجية التي توقفت خلال سنوات الصراع.
نظرة نحو المستقبل
التوجه الحالي نحو الإصلاح الاقتصادي وتحسين بيئة الاستثمار، بالتوازي مع الانفراج السياسي الجزئي الذي شهدته الساحة الإقليمية، يعزز الآمال في تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا. وإذا ما استمرت هذه التطورات على هذا النحو، فقد تكون بداية مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي التدريجي، وإن كان مشوباً بالتحديات.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الطلبات لتأسيس الشركات والمشاريع، لا سيما مع اتضاح الرؤية القانونية للاستثمار، وتحسن العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة والداعمة.
وبينما تتابع الجهات الرسمية خطواتها في تعديل القوانين والأنظمة الاقتصادية، يترقب السوريون ما إذا كانت هذه الجهود ستُترجم إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، تساهم في تحسين معيشتهم، ودفع عجلة التنمية في بلد أنهكه الصراع.